مجلة البيان

جُرْحٌ عَلَى شَفَةِ الْفَقْدِ

لَمْ يَنْقَضِ الْحُزْنُ فِي الْوِجْدَانِ مَا فَتِئَا

يُلْقِي مُدَاهُ عَلَى الْجُرْحِ الَّذِي بَرِئَا

 

جُرْحٌ تَفَجَّرَ مِنْ إِلْهَامِ مَكْرِهُمُ

فِي إِثْرِ جُرْحٍ عَلَى الأَيَّامِ مَا نُكِئَا

 

عَامَانِ مِنْ أَلَمٍ مَرَّا عَلَى مَلَلٍ

وَالْقَلْبُ بَيْنَ سُطُورِ الشَّوْقِ قَدْ هَرِئَا

 

مِنْ نَزْفِ رُوحِيَ تَحْنَانٌ يُشَرِّدُني

مُذْ فَارَقُونِي وَطَعْمُ الْعَيْشِ مَا هَنِئَا

 

يُزَمِّلُــــونَ ضِيَــــــــاءَ اللهِ؛ خَوَّفَهُــــمْ،

أَنْ يُبْهِجَ الْخَلْقَ، أَوْ يُحْوَى الَّذِي وَضُؤَا

 

يَمَــامَ وُدِّي لِمَــنْ أَشْتَـاقُ أُرْسِلُـهُ

خبَّأتُ فِيهِ بَرِيدَ الْمُخْلِصِينَ رُؤَى

 

وَفَرْخَ سَعْدٍ لِقَلَبٍ بَاتَ مُلْتَهِبًا

مِنْ غُرْبَةِ الْيَأْسِ وَالْبَيْنِ الَّذِي ابْتَدَأَ

 

وَدَمْعَ قلْبٍ عَلَى حُلْمَيْنِ يُرْفِدُهُ

سُرَى حَنِينٍ بِكَفَّي غَمٍّ اخْتَبَأَ

 

تَشْتَدُّ حِلْكَتُهُ فِي سُحْبِ كَبْوَتِهِ

مِنْ وَحْلِ قَسْوَتِهِ فَالْجُرْحُ مَا هَدَأَ

 

فَتَّشْتُ عَنِّي وُجُوهَ الْحَاضِرِينَ فَمَا

وَجَدْتُ فِيَّ سُوَى فَقْدٍ بِيَ الْتَجَأَ

 

لِلرَّاحِلِينَ وِدَادُ الأرْضِ، مَا وَسِعَتْ

قُرَى بَيَاضِي، بَهَاءَ الْقَلْبِ مَا نَسَأَ

 

لَوِ انْطَوَيْتُ عَلَى كَوْنَيْنِ مِنْ رَغَدٍ

لَمْ أَنْسَ مِنْ شَظَفِي مُرَّيْنِ بِي نَشَــآ

 

لَمْ أَنْسَ صَحْبًا؛ بِعَيْنِ الْوُدِّ مَنْزِلُهُمْ

مَنْ قَاسَمُونِي بِضِيِقِ الْحُلْمِ مَا نَبَأَ

 

لَهْفِي عَلَيَّ وَمَا خَبَّأتُ مِنْ دَعَةٍ

لِلْغَائِبِينَ وَشَوْقٍ فَاضَ مَا رُقِئَا

 

أُغَازِلُ الصُّبْحَ فِي تَرْحَالِ لَيْلِهُمُ

وَجُنْدُهُمْ فَوْقَ رَأْسِي يُشْبِهُ الْحِدَأَ

 

وَأَيُّ ضَوْءٍ بِلِينٍ جَاءَ بَارِقُهُ

إِلَّا بُعَيْدَ ظَلَامٍ حَلَّ فَانْطَفَأَ

 

لا تَقْتُلُوُنِي غُرَابُ الْفَقْدِ أَفْقَدَنِي

مَعَنْى الْحَيَاةِ فَذُقْتُ المَوْتَ وَالْحَمَأَ!

 

 

مِنْ سُكَّرِ الضَّوْءِ تَغْشَى الْقَلْبَ أُغْنِيَةٌ

سَكْرَى تُرَاقِصُ طِفْلَ الرُّوحِ إِذْ رُزِئَا

 

أَنْسَانِي الْوُدُّ حِقْدَ الْقَوْمِ زَيْغَهُمُ

فَجِئْتُ حُبًّا، بَرِيئًا، جِئْتُ مُجْتَرِئَا

 

عَنْ كُلِّ قَلْبٍ حَيِيٍّ فِي هُدَاهُ مَشَى

عَنِ السَّمَاءِ وَوَجْهِ اللهِ مَا صَبَأَ

***

لَمْ يَقْتُلُوه بِبَابِ الْحُلْمِ وَدَّعَهُمْ

لَمَّا رأى شَرْعَهُمْ بِالْخِزْي قَدْ مُلِئَا

 

إِنْ تَقْتُلُوُهُ فَقَتْلُ الْحُرِّ مَكْرَمَةٌ

دِمَاءُهُ مِنْ شَذَى بِالْمَوْتِ إن تَطَأَ

 

فِي رَبْوَةِ الْمَجْدِ يَرْعَى الْخُلْدُ قَامَتَهُ

مَا ضَرَّ مَنْزِلَهُ فِي الْخَلْقِ مَنْ شَنَأَ

 

عَلَى جُذُوعِ فِرَاهُمْ يَسْتَتِبُّ هُدًى

قَدْ آنَسَ النُّورَ سَادَتْ رُوحُهُ الْمَلأَ

 

وَآلُ مَذْهَبِـــــــهِ شُـــــمٌّ مَقَاصِـــدُهُـــــمْ

لَوْ يَظْهَرُونَ لَغَارَ الْبَدْرُ وَانْخَسَأَ

 

حُمْرُ الضَّمَائِرِ خُضْرُ الْقَلْبِ يَعْرِفُهُمْ

مَنْ يُنْشِؤونَ بِتَـــــــاجِ الْمَجْـــــــــدِ مُبْـــتَـــــــــــــدَأَ

 

تَغْتَــالُ أَنْصُلُهُـــــمْ مِنْ هَامِهِمْ شَرَفًـــــــا

وَنَصْلُ غَيْرِهُمُ فِي الْعَارِ قَدْ صَدِئَا

للهِ مَا طَلَعَـــتْ شَمْــــــسٌ بِمَنْزِلِهِمْ

إِلَّا لِتُغْرِبَ غَرْسَ الْقَوْمِ مُذْ وَبِئَا

 

سَلُوا بَنَاتِ الدُّهُورِ الْغُرَّ وَاجْتَنِبُوا

إِفْكًا إِذَا كُتِـــبَ التَّارِيــــخُ أَوْ قُــرِئَـــا

 

لا تَقْذُفُوهُمْ بِكِذْبٍ؛ لَيْسَ مَبْدَأَهُمْ

قَذْفُ الْمُحِبِّينَ إِثْمٌ، لا تَقُلْ: خَطَأَ

 

جَاءُوا عَلَى صِفَةِ الرُّؤْيَا وَمَا اتَّسَعَتْ

إِذْ كُلَّمَــــــــــــا أَفِلَـــــــــــــتْ إِقْبَــــالُهَـــــــا هَيُـــــــــــــــؤَا

 

عُمَّارُ أَرْضٍ إِذَا حَلُّوا أَوِ ارْتَحَلُوا

تُضِيءُ أَقْدَامُهُمْ مِنْ سَيْرِهَا الْكَلأَ

 

لِلَيْلِنَا صُبْحُهُمْ يجري لِيُخْرِجَنَا

مِنَ الظَّلامِ الَّذِي بِالْقَلْبِ مَا فَتِئَا

 

يُدَافِعُونَ بِرُوحِ اللهِ مَنْ أَثِمَتْ

أَرْوَاحُهُمْ مَنْ بِشَرْعِ اللهِ قَدْ هَزِئَا

 

مَن يَمْنَحُ النُّورَ وَالأَيَّامَ بَهْجَتَهَا

مَنْ يَصْدُقُ الْقَلْبَ وَالأَحْلامَ وَالنَّبَأَ

***

 

سَطَّرْتَ نَزْفِي بِحِبْرِ الْهَمِّ يَا قَلَمِي

لِكَيْ أَنَالَ بِصِدْقِ الْقَوْلِ مُتَّكَأَ

 

مَدَدْتُ سَاعِدَ قَلْبِي كَي أُقَرِّبَهَا

بَاكُوُرَةَ النُّورِ مَدَّ الْحِقْدُ.. لِي فَنَأَى

 

وَطَابَ لُقْيَا الْوِدَادِ الرُّوحُ مَوْطِنُهُمْ

وَأُنْسُ قُرْبِهُمُ فِي النَّفْسِ قَدْ مَرِئَا

 

رَأَيْتُ فِيهِمْ بَرَاحَ الْكَوْنِ بَسْمَتَهُ

صِدْقَ النَّبِيينَ وَالأَخْلاقَ وَالرَّشَأَ

 

 

وَالْحَالِمِينَ بِوَجْهٍ يَشْتَهِي أَمَلًا

في من أراد بلادًا أنْ تُرى سبأَ !

 

 

فَعُدْتُ بَيْنَ ضِفَافِ الْحُزْنِ أَنْزِفُنِي

وَزَيْفُ فَرْحِيَ مَا رَوَّى بِي الظَّمَأَ

 

شُعُوبِي الْعُمْيُ فِي أَطْيَافِ مَعْرِفَتِي

لَمْ تَسْتَجِبْ لِرُؤَى الْوِجْدَانِ حِينَ رَأَى