مجلة البيان

الشاعرة خزنة بورسلي ( 1947- 2004م)

عرفت الشاعرة خزنة بورسلي منذ بدايتها مع الشعر والصحافة، فقد كانت تكتب مقالات أدبية وتنشر قصائدها في مجلات عديدة بالكويت مثل النهضة واليقظة وعالم الفن .

كنت أراها تأتي إلى رابطة الأدباء تجلس في صمت وسحابات من الخجل تظلل مقعدها وتشاركنا الرأي  وتعبر عن مشاعرها في نصوص شعرية حالمة.وكانت نهمة للقراءة والإطلاع على أحدث ما صدر من كتب الأدب، فقرأت في الشعر العربي القديم والحديث وعاشت مع أشعار العذريين والمتصوفين مثل قيس بن الملوح وجميل بن معمر .. وابن الفارض .. والحلاج وغيرهم .

ولدت بالكويت ودرست في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الكويت ومما ساهم في صقل موهبتها الشعرية أيضاً نشأة الشاعرة في بيئة ثقافية تحب الشعر وتمارس الغناء والفن، فالشاعر فهد بورسلي هو عمها والشاعر الغنائي بدر بورسلي ابن عمها وقد تأثرت بهما كثيراً .

أحلام شاعرة

تتميز شاعرية خزنة بورسلي بأنها تحلم بعالم مثالي وتتخيل هذه الأرض جزيرة تفيض بالخير والثمار وتغرد عليها عصافير الحب وطيور السلام وزهور الجمال.

فالشاعرة ترى الأشياء حولها في صورة نابضة بالأطياف والغناء والجمال .. وكأنها نغمة حائرة في فضاء الكون  تبحث عن زمن خاص بها وعلاقات إنسانية رائعة ولذلك ترفض أن تحيا مثل سائر البشر وتبحث عن الأماني والحب والحياة وتقول:

 

أين الأماني وأين الحب عاطفة؟

     أين الربيع يحلى   فيك   أزماني

 

أين الأماني   تراتيلا   ملحنة؟    

أين الزهور ومافي عطرها ألحاني

 

أين النجوم تغنى   في تمايلها     

أين الورود  بأشكال  وألوانِ

الشاعرة والطبيعة

       للطبيعة الخضراء أثر في نفس الشاعرة خزنة بورسلي  حيث تهرب من قسوة الواقع وتحلق في تجربة روحية وعلاقة عشق مع الشجر.. وتتكسر مع رقرقة اللحن  وأنشودة الفجر.. وصوت الريح.. ولون خيوط الشمس.. ونسائم الزهر.. تذوب خزنة بورسلي وجدا وانخطافاً في مملكة السحر والعشق لنور الحياة :

جعلت من قبس الأنوار ألحانى

وصغت من خاطر الأحلام أوزاني 

وحرت في عالم ألقاه ممتطياً

حزنـا دفينـا تجلـى ليـل أحزانـي

العشق الروحي

وتتهادى الشاعرة خزنة بورسلى ناعمة في رقة الأطياف تتجرد من مظاهر الحياة المادية التي تعصف بالروح . أن نفسها المبثوثة في نور الحب قد تحررت من عبودية الجسد .. وتمردت الروح الحيرى على حياة عادية لتشيد حياتها الشعرية المدهشة .. وهنا تتكسر أسوار  وتتلاشى غيوم .

تحلق الشاعرة في معبد العشق .. هذا العشق الروحي للكون ومعجزات هذا الخلق تدخل مملكة التوحد .. وتذوب في نور النور.. وتؤسس ابتهالات شجية وعذابات قلب قد احترق وهو يكابد الآلام ويقاوم جنون العصر ومجون الإنسان .. فإذا بقصائدها تدنو من حب الله ..هذا الحب الكبير الذي ملأ وجدان " رابعة العدوية " وحول كل ما في حياتها إلى رقة وعطف ورحمة  وتبتل ودعوات ومن فرط هذا الحب كانت تبكي وتقول:

يا حبيب القلوب من لي سواكا

ارحم اليوم مذنبا قد أتاكا

يا حبيبي وصفوتي ورجائي

كذب القلب إن أحب سواكا

يا أنيسي ومنيتي ومرادي

طال شـوقي   متـى    يكـون     لقاكـا

*  *  *  *

خزنة بورسلى تشق غبار الزمن وتنفض عن الروح كثافة ظلام الضياع              وتهفو إلى نجوى المحبة وصفاء النفس:

ابسط يديك لعلي أبلغ القبسا

وأعبر بعمري فإن البين قد أنسا

يا واهب الحب والأشواق ظامئة

تهوى الوصال وترجو منك ملتمسا

يـا ملهـم الشعر ألحاني مبـعثرة

فـامنـح   هواك   لعلي استرد النفسا

*  *  *  *

تجربة الحب

تجربة الحب رحلة الشاعرة في إشراقة النهار هذا الحب يغمر كل شيء ويستولد من رحم الأحزان بهجة العمر النازف دوما .. وكأن الشاعرة تشعل في القلب جذوة الأماني المستحيلة والرحيل من الوحشة إلى الألفة .. تعري الحياة من هشاشتها وتضفي عليها نبض المحبة.  فهل استطاعت قصائد خزنة بورسلي أن تجعلنا نرى في الكون ما تخفيه عنا كآبة الوجود أو مآسيه؟

أريدك نبضا لا يهدأ

أريدك فكرا لا يصدأ

أريدك الحب بعينيك

صلوات رددها المعبد

أريد اللحن طفوليا

عنـاه ليلـي والمرقـد

       وتتحول صورة الرجل في الحب إلى معنى .. ورمز يتجاوز ويفوق ما هو كائن في الواقع .. إنه أقرب للحلم الشارد بين النجوم أو اللحون المتواترة :

من أنت يا حلما تهادى باسما

بيـن النجـوم أراك شــاردا

 

وأرى بعينيك اللحون تواترت

تحكي مع الأيـام   حلمـا  خالدا

 

فجر حنين الأمس في أعماقنا

واستقبـل اللحن الودود الرائدا

 

إني  نثـرت مع الصبـاح أزاهـري

ورسمت من ألق الحروف  مشاهدا

*  *  *  *

مشاعر االغربة

إن خزنة بورسلي متأثرة أشد التأثر بالحلم الذي يسمو على البشر ويزرع الأرض ورودا وينقش في النفوس ملامح زمن مختلف وعصر جديد يقهر غربة الإنسان، حيث يتأرجح إنسان هذا الوجود بين الحرب والسلم والأمان والذعر وتسكنه الوحشة وعصف الأحداث الدامية ولعل هذا الحلم الذي تنشده الشاعرة هو مواجهة الغربة بالتواصل عبر أحاسيس ومشاعر دافئة وذهن متوقد يدرك حقيقة أفكاره وأهدافه أن فكرة السمو والعلياء من أحلام الشاعرة:

قتلـت بقلبـي الأشعار

جرحت   الحب  والنوار

 

عرفتـك عـاشق الفجر

وإذ بك تقتل الأفكار

 

سلبت عصــارة الزهر

جرحت الورد والأزهار

 

لقــد كــانت ليالينـا

غيمات تعشق الأمطار

وكــانت نظــرة منك

تعيد الذكر والتذكار

 

نسـيت  بـأننـي      أنثـى

سـمت   لتعانق  الأقمار

       وإذا كان الحب هو الروح والتدفق مع النور النابع من أحاسيس النفس وأحلام الذهن وإذا كان الرجل في أشعارها ليس إلا رمزا فكيف تتكون صورة الوطن           الوطن حين تحاصره المخاطر وتبرق خناجر الخونة ولصوص المدن حوله.

 

صورة الوطن

       للكويت في قصائد خزنة بورسلي رموز مختلفة .. فالوطن واحة النور أيضا والحلم الذي يسكن قلب الإنسان.والكويت هي قلعة الفكر وفي هذا إشارة لدورها الرائد في الحرية والديموقراطية والرأي الشجاع.

       وقد واجهت الكويت محاولات كثيرة للغدر بها ولكنها فشلت حتى الغزو العراقي في الثاني من أغسطس 1990م لم يدم أكثر من شهور ولاشك أن هذه المواقف ما هي إلا طعنات في روح الشاعرة وإن كانت الروح لم تهزم أبدا وقامت بدور بطولي في إيقاظ الشعب الكويتي وتسجيل مقاومته للطغاة المستبدين .وتطل خزنة بورسلي في عالمها الشفاف من النور والظل والشجر وخفقة الخوف على الوطن:

كويت يا مشرق الأنوار يا شفة

غنى   زماناً   بها   وحي وأشعار

 

حماك ربك من كيد ومن حسد

فضلك بيـن النـاس مدرار

 

شلت يد الغدر وانهارت مطامحهم

حصن العروبة لا يجزيه غدار

 

كويت هبي فإن العزم أن تصلي

وسوف يحميك عند البأس أحرار

يا قلعة الفكر ياظلا نلوذ به

هيهات يشقى بضيم فيك ديار

 

لن يسلب النور في الأحداق  مؤتمر

وسـوف  يتبـع  هذا    النـور  أنوار

محنة الغزو

وفي محنة الغزو وليل الكويت يسدل ستائره الحزينة تكتب الشاعرة خزنة بورسلي والحروف دامعة منكسرة ، والأمة العربية في ذهول وفجيعة العربي يغتصب ديار أخيه العربي .. فماذا يكتب الشعر وماذا يقول الشاعر؟

هذه الشاعرة الرقيقة تجعل من قصائدها رصاصات في وجه الثقافة الفاسدة التي جاء ينشرها نظام صدام .. والحروف خناجر تذبح هؤلاء الغزاة .

قبلــت فيـك التحدي

وضاع في الحب رشدي

 

حملت في الغمد سيفي

وفـي جبينــي لحدي

 

مــاذا أسطـر فيــك

مـن رائعـــات ووجدِ

 

وكيـف أنسـى عدوا

قد خان عهدي ووعدي

 

مـاذا أقـول لقــوم

هم دمـروا كـل جهدي

 

وهـم أضاعـوا بـلادي

وهــم أتـوها بحـقدِ

       والقصيدة طويلة وتعد من هذا الشعر المقاوم الذي كتبه الشعراء الكويتيون وهم داخل بلادهم المحتلة أو الذين كانوا خارج الوطن حين وقع الغزو ، والقيمة التاريخية لهذا الشعر أنه يعد سجلا صادقا لنضال الكويتيين ومواقف الأنظمة العربية المثقفين تجاه محنة الكويت .

دعوة للصمود

وللشاعرة قصيدة أخرى نشرتها خلال المحنة وعنوانها " الكويتيون هنا " تدعو قومها إلى الصمود والنضال أمام العساكر القادمين لسلب خيرات وطنها الكويت .والقصيدة تشتعل حماسة وطنية وغضبا ثوريا ضد الخيانة والغدر وسقوط قيم القومية العربية والعروبة .

لا تحاور سادة الرأي فهم بئس

العساكر  أو تناوئ قائدا في مكمن

همه التدمير أو سلب الذخائر

إنه الشيطان في فجر غزا

معلنا في بلدي عهد الكبائر

ناشرا أدرانه في ظلنا

غارسا في الظهر مسموم الخناجر

       فالشاعرة تفتقد لغة الحضارة مع هؤلاء الغزاة لأنهم مجموعة من الوحوش الآثمة تنشر السموم والفساد .وإن كانت القصيدة تسرد فظائع هذه الوحوش فإنها أيضا تعرض مواقف الكويتيين ونضالهم الكبير من أجل بلادهم .

اقتلونا ودمروا أجسادنا

سوف لن نرضى بتنفيذ الأوامر

قطعونا مزقوا أوصالنا

سوف لن نرضى بتقييد العساكر

سوف تلقونا مع الفجر جنودا

معلنين الذعر في قلب الغادر

وستظل هذه القصائد وثائق مخضبة بالدم لصرخات شعب قرر أن يموت شهيداً     من أجل عودة بلاده إلى الحرية والسلام .والشاعرة خزنة بورسلي صدر لها ديوان " أزهار أيار" وقبل رحيلها عن الحياة كانت بصدد طبع ديوانها الجديد " الكويتيون هنا " الذي يحتوى على مجموعة كبيرة من قصائدها الوجدانية والوطنية .والشاعرة تعد صوتا شعريا بارزا مع تيار الأدب النسائي فى الكويت الذي تمثله  سعاد الصباح .. وغنيمة زيد الحرب .. وجنة القريني .. وغيرهن .

 

رحيل الشاعرة

ولكن رحلت الشاعرة خزنة بورسلي عن حياتنا عام 2004 وقد تركت لدينا مجموعة شعرية جديدة لم تنشر حتى الآن وقد سلمت لي هذه القصائد لمراجعتها وكتابة مقدمة عنها وظلت القصائد في مكتبي  ومازالت  تحلم بالنشر وسوف أقوم بإصدار كتاب خاص عن الشاعرة خزنة بورسلي يسجل حياتها وقصائدها الإبداعية حيث كانت تربطني بها صداقة عميقة رحمها الله وأسكنها فسيح جناته.

******