منافسة هادئة..
وعودة القصيدة العمودية
اللافت في الساحة الثقافية الآن هو التنافس المتسارع بين الرواية والشعر. فهذان النوعان الأدبيان يسيران على خط واحد وبينهما حالة إثبات وجود خفية أو معلنة، لكنها في النهاية موجودة بقوة على الساحة.
الذي يقود هذا الحراك اليوم هم مجموعة من الجيل الشاب، فقد ظهرت في السنوات القليلة الماضية مجاميع شبابية أصدر أصحابها الدواوين الشعرية والروايات. وهذا الموضوع يمكن تناوله من عدة جوانب.
الجانب الأول يتعلق بالشعراء أنفسهم، ومن ثم الروائيين. فبالنسبة للشعر، نشهد عودة كبيرة إلى الشعر العمودي، ومن بعده التفعيلة، وهذا لا يعني عدم وجود النثر، ولكن الملاحظ أنه بعد المد الهائل للنثر في السنوات السابقة، وجدنا اليوم أن هناك حضوراً كبيراً للشعر العمودي والتفعيلة، ونجد هؤلاء الشعراء بكثرة يشاركون في الأمسيات الشعرية وفي المنتديات.
والهادئ في الأمر أنه لم تعد هناك معارك كتلك التي شهدناها في الستينات وما بعدها لغاية الثمانينات تقريباً بين أصحاب العمودي والنثر فلم يعد أحد الطرفين يلغي الآخر ولا يهمشه ولا يهاجمه في وسائل الإعلام، بل أصبح لكل محب من محبي هذا النمط أو ذاك منتدياته وأمسياته من دون أن يعكر أحدهما صفو الآخر.
وهذا يفسر أن معركة الأصالة والحداثة لم تحسم لصالح أحد، بل الذي حصل هو عودة جديدة لصالح القصيدة العمودية من خلال جيل شاب أعاد للقصيدة أوزانها وقافيتها دون أن يمسس الطرف الآخر أو يستنكر عليه نثره.
أما في ما يخص الرواية، فقد انتشرت أساليب عديدة بدءاً من الواقعية ووصولاً إلى الرمزية، وما بينهما من خيال علمي وفنتازيا وروايات الرعب. وكل هذه الأعمال تسير على وتيرة واحدة وجنباً إلى جنب دون احتكاك أو إقصاء.
ولكن السؤال: هل هذا الهدوء مفيد أم نحتاج إلى حركة نقاشات وتناقضات تعيد للحركة الثقافية وهج الاختلاف؟
الإجابة على هذا التساؤل تحمل منحيين، الأول يتمثل في أن الهدوء يدع فرصة للجميع أن يعملوا بصمت وأن يقدم كل طرف ما لديه ويترك الأمر للقارئ يحدد ما يريد، ولكن هذا يقودنا إلى المنحى الثاني وهو ضرورة استيقاظ النقد من سباته ومتابعة هذه الأعمال وتقييمها، لأن النقد الموضوعي من شأنه أن يحقق ثلاث معادلات في وقت واحد، فهو بمثابة المصباح الذي يضيء الطريق للقارئ فيعرّفه الجيد من غير الجيد، والثاني تقويم مسار الكاتب أو الشاعر نفسه، والثالث إعادة الوهج إلى الساحة الأدبية وبث نبض الحياة فيها.
البيان